نقل السفارة الأميركية: هل ينفذ ترامب تعهداته؟

أ. علاءالدين البطة

لم ينفك رؤساء الولايات المتحدة الأميركيةمن الحديث عن توجههم نحو نقل مقر سفارة بلادهم من تل أبيب إلى القدس منذ منتصف الثمانينياتوبالتحديد في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب (1981-1989).

وهذه التصريحات بالطبع كانت قائمة على أساس"قانون القدس" الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي في 30 يوليو/تموز 1980، والقاضي"بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل" على الرغم من قرار مجلس الأمن الذي أعقبه؛اعتبر "قانون القدس" الصادر عن الكنيست باطلاً ويتعين إلغاؤه، كما اعتبرأن "نقل السفارة إلى القدس بمثابة خرق للقانون الدولي".

"دنيس روس: لقد قدَّم كل مرشح وعداً بنقل السفارة ولكنهلم يفِ به لعلمه أن ذلك سيثير الرأي العام في العالم العربي، وربما يؤدي إلى اندلاعمظاهرات ضد سفاراتنا في العالم " ويقول دنيس روس، الذي عمل مستشاراًلدى العديد من رؤساء أميركا لشؤون الشرق الأوسط: "لقد قدَّم كل مرشح وعداً بنقلالسفارة ولكنه لم يفِ به لعلمه أن ذلك سيثير الرأي العام في العالم العربي، وربما يؤديإلى اندلاع مظاهرات ضد سفاراتنا في العالم"، وهذا بالفعل ما حدث في عهد الرؤساءالسابقين؛ بيل كلينتون وجورج بوش الابن وحتى مع الرئيس باراك أوباما الذي وقَّع قرارافي ديسمبر/كانون الأول الماضي -قبل انتهاء ولايته الثانية بشهر تقريباً– يقضي بتأجيلنقل السفارة إلى القدس حتى شهر مايو/أيار 2017.

ولعلَّ الخوف من انتفاضةٍ شعبيةٍ فلسطينيةٍكبيرةٍ وردود فعلٍ عربيةٍ ودوليةٍ رافضةٍ لمثل هذا القرار عدا عن تحدى قرار مجلس الأمنالصادر عام 1980؛ هو ما كان يُجبر رؤساء الولايات المتحدة على توقيع قراراتٍ دوريةٍتقضي بتأجيل نقل السفارة "من أجل حماية المصالح القومية للولايات المتحدة"كل ستة أشهر، منذ أن تبنَّى الكونغرس الأميركي قانوناً يقضي بنقل السفارة إلى القدسعام 1995.

ترامب والقدس

لم تخلُ خطابات الرئيس الأميركي الجديددونالد ترامب من التطرّق إلى توجهات الولايات المتحدة تحت إدارته لنقل مقر سفارة بلادهمن تل أبيب إلى القدس بعد تنصيبه في كرسي الرئاسة بوقتٍ قصيرٍ. وهذا السلوك بالتأكيدظهر خلال الدعاية الانتخابية الأميركية، حيث صرَّح ترامب وعددٌ من مستشاريه بأنه فيحال فوزه فسوف تعترف الإدارة الأميركية الجديدة بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ويُطبققرار مجلس النواب الأميركي بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. وهو ما قُوبل برضى أوعلى الأقل بصمتٍ من جانب الشارع الأميركي الذي بدا وكأنه لا يفهم إلا اللغة التي تحدثبها ترامب.

وتأكيداً على مخططاته؛ أدلى ترامب بهذهالتصريحات في لقاءٍ جمعه برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في نيويورك، في سبتمبرالماضي. ثمَّ أعاد مستشار ترامب لشؤون إسرائيل، جيسون غرينبلت، هذه التصريحات في مقابلةمع إذاعة الجيش الإسرائيلي.

"فريدمان:  ترامب ملتزم بالوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية،وهي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأنه سيعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل."  وسائل إعلام أميركية نقلت -قبل أيامٍ-عن المتحدثة باسم ترامب، السيدة كيلي كنواي، أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس"يحظى بأولوية كبيرة" لدى ترامب، رغم أنَّ الولايات المتحدة مثل معظم أعضاءمنظمة الأمم المتحدة- لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي تصريحات لصحيفة "يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية؛ قال المستشار السياسي للرئيس الأميركي وسفير واشنطن لدى تل أبيب، ديفيدفريدمان، إن ترامب ملتزم بالوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وهي نقل السفارةالأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأنه سيعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل.

وفي هذه الحالة نكون أمام تساؤل مشروع؛إلى أي مدى يمكن للسيد ترامب أن يلتزم بتصريحاته وينقل السفارة إلى القدس؟ وهل من الممكنأن ينفذ ما لم ينفذه ثلاثه من الرؤساء الأميركان الذين سبقوه؟

 

العرب والفلسطينيون والقدس

في قراءة المراقبين؛ تبدو التصريحات الصادرةعن الإدارة الأميركية الجديدة في جوهرها جادةً لأبعد الحدود، ويبدو أنَّ الرئيس ترامبيحمل اختلافاً كبيراً في سياسته تجاه العرب والفلسطينيين، ولقد سمعنا وشاهدنا ماذاقال عن الحماية الأمنية والعسكرية الأميركية في المنطقة العربية، وعن النفط العربي، وحتى عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

 

حالة الضعف والانقسام العربي وتداعيات الحروبالمشتعلة في المنطقة العربية وانشغال العرب بتبعات الربيع العربي والانقسام الفلسطينيوالمشهد السياسي الفلسطيني المأزوم والسيطرة الإسرائيلية الفعلية على حوالي 90% منمساحة الضفة الغربية وعدم تصدر القضية الفلسطينية أولويةً بالنسبة للقوى الكبرى بعداشتعال الحرب الأهلية في سورية؛ يجعلون من الوقت الحالي بمثابة الفرصة التاريخية لنقلمقر السفارة إلى القدس.

 

وهذا يعتبر بمثابة اختبارٍ صعبٍ للقيادةالفلسطينية والعربية التي ما انفكَّت وهي تراهن على دور الإدارة الأميركية في عمليةالسلام في المنطقة، وهو أيضاً ما يثير مخاوف القيادة الفلسطينية ويجعلها تعيش في حالةمن التخبط والارتباك وعدم الارتياح والخوف على حاضر ومستقبل السلطة الفلسطينية، وهذاما بدا واضحاً من خلال ردود الفعل الفلسطينية الغاضبة على تصريحات ترامب ومستشاريه.

 

وقد بدا ذلك واضحا في مناشدة الرئيس الفلسطينيمحمود عباس (أبو مازن) للرئيس ترامب بعدم نقل السفارة الأميركية للقدس والتلويح بأننقل السفارة ستترتب عليه آثار مدمرة على عملية السلام وخيار حل الدولتين وأمن واستقرارالمنطقة، على اعتبار أن قرار سلطة الاحتلال بضم القدس الشرقية لاغٍ وباطل ومخالف للقانونالدولي.

 

نقل مقر السفارة بالنسبة لأميركا

"تريدواشنطن  نقل مقر السفارة إلى العاصمة الدينية التي باركهاالرب والتي تشكِّل مطمعاً لكل ديانات الأرض، فضلاً عن محاولة إنهاء ملف القضية الفلسطينية" ولكن؛ هل تعي الإدارة الأميركيةالجديدة ماذا يعني نقل مقر السفارة إلى القدس؟! بالطبع تعي جيداً، ومن المؤكد أنَّهادرست الموضوع مراراً وتكراراً، ولم تخطُ أي خطوة غير واضحة الاتجاه. حيث إنِّها تريدنقل مقر السفارة إلى العاصمة الدينية التي باركها الرب والتي تشكِّل مطمعاً لكل دياناتالأرض، فضلاً عن محاولة تقويض عملية السلام ومحاصرتها، والالتفاف على حل الدولتين أوحل الدولة الواحدة ثنائية القومية، وإنهاء ملف القضية الفلسطينية بسلطة حكم ذاتي تحتالاحتلال أو كونفدرالية على جزءٍ صغيرٍ من الضفة الغربية تحت حكم الأردن.

أما ما قد يمنع أميركا من نقل مقر سفارتهاالى القدس، فليس الجيوش العربية، ولا سلاح النفط، ولا محاصرة إسرائيل وضربها، ولا حتىالتهديد باستقالة السلطة الفلسطينية التي تحاول الحفاظ ما أمكن على مصالح كوادرها،بل هو احتمال تجدد انتفاضة القدس الثالثة والتي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2015ولم تتوقف بعد، وفي هذه المرة ستجد إسرائيل نفسها في مواجهةٍ مفتوحةٍ وطويلة الأمدمع المقاومة المسلحة والشعبية بكل الوسائل المتاحة والممكنة، بمعنى أنَّ إسرائيل ستواجهعسكرة وتسليح الانتفاضة، وهو أمر لا تُحمد عقباه بالنسبة للقيادة الإسرائيلية.


احتمالات نقل السفارة

المشهد السابق يجعل القارئ في حيرة من أمره؛تصريحات وتأكيدات بنقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس وصعوبة التراجع عن الموقف/الوعد الأميركي، في مقابل تطورات وتداعيات سلبية متوقعة ضد إسرائيل، وغضب فلسطيني وعربيكبير، وهو ما يعني أنَّ الإدارة الأميركية تواجه تحديات صعبة وكبيرة وعلى ما سبق، نكونأمام احتمالات ثلاثة:

أن تكون تصريحات ترامب مجرد تصريحات انتخابيةكان الهدف منها كسب الأصوات اليهودية والاستفادة منهم في تنفيذ بعض السياسات والخططالخاصة بالإدارة الجديدة وأن تسير الإدارة الجديدة على نهج من سبقها، وهذا ما بدا منذأيام فقط حينما تحدَّث مستشار ترامب السياسي، وليد فارس، في لقاء مع شبكة BBC: إن "ترامب قصد نقلالسفارة إذا حظي القرار بالإجماع".

 

"نقل السفارة إلى القدس، وهو احتمال وارد،لكنه احتمال يُقابل بخشية أميركية من تفجر الأوضاع في المنطقة" أن يتم تنفيذ وعود ترامب ونقل السفارةإلى القدس، وهو احتمال وارد، لكنه احتمال يُقابل بخشية أميركية من تفجر الأوضاع فيالمنطقة، في ضوء أن معظم المواقف العربية والدولية تعترض على نقل السفارة إلى القدسولعل أبرزها تصريح وزير الخارجية الفرنسي بأنَّ "نقل السفارة الأميركية للقدسسيكون استفزازا وله عواقب وخيمة"، وأيضاً تأكيد وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبيبأن "الاتحاد الأوروبي سيبقي على سفارته في تل أبيب، ويواصل احترام قرارات الأممالمتحدة المعارضة لضم إسرائيل للقدس الشرقية المحتلة".

 

غير أن ترامب قد يقدم على خطوة أخرى تقومعلى إقامة "مكتب للسفير الأميركي في القدس" ويمارس العمل منه، في حين تبقىالسفارة الأميركية في تل أبيب، وهو احتمالٌ واردٌ وبقوة، حيث تذهب تقديرات الكثير منالمحللين السياسيين الذين يرون هذا الخيار بمثابة "حلٍ وسطٍ" للخروج من هذاالمأزق. وقد يبدو هذا الخيار هو الأقرب للتطبيق في ظل صعوبة ومخاطر تطبيق الاحتمالالثاني.

 

وأخيراً؛ لقد بات الفلسطينيون أمام اختبارٍ صعبٍ للغاية،إما أن يتركوا المخطط يمر فيفقدوا القدس، أو أن يشعلوها انتفاضةً شعبيةً ومسلحةً، وفيكلتا الحالتين ستكون الخسارة في الجانب الفلسطيني مضاعفة، وهذا ما يوجب على الفلسطينيينرص الصفوف من جديد وتجاوز الانقسام والاتفاق على رؤية مشتركة لمشروع وطني فلسطيني يكفلحل الأزمات المتلاحقة التي تحيط بالقضية الفلسطينية.

تعرف على أ.علاء الدين البطة








0
0
0


تعليقات الفيسبوك