معبر رفح.. هذه المأساة المستمرة

أ. علاءالدين البطة

في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، أعلنتالسلطات المصرية فتح معبر رفح البري والحدودي بين مصر وقطاع غزة يومين، وذلك بعد85 يوماً من الإغلاق العقابي المتواصل. بل وبعد مرور أكثر من 570 يوماً على إغلاق المعبربشكل شبه كامل، على إثر عملية هجومية نفذها تنظيم داعش (ولاية سيناء) في منتصف أكتوبر/تشرين أول 2014 في نقطة تفتيش للجيش المصري في منطقة العريش المصرية، واستغلها النظامالمصري للادعاء، وبلا دليل، أن مسلحين مصريين تلقوا تدريباً ما في قطاع غزة.

أكثر من 30 ألف حالة إنسانية في غزة تتكدسوتعاني، بسبب إغلاق معبر رفح، وهي بحاجة ماسة إلى السفر العاجل، وكانت تعلق آمالاًعريضة على فتح المعبر والعمل به بصورة "شبه واقعية" تلبى بعضا من احتياجاتالغزيين وآمالهم. هذا عدا عن آلاف الغزيين الراغبين في أداء شعيرة العُمرة إلى الديارالمقدسة، وتم حرمانهم من أدائها للعام الثاني على التوالي، بسبب إغلاق المعبر، وهذاما يحدث أول مرة في التاريخ فلسطين الحديث.

لذا، كان من المأمول، هذه المرة، أن تخرجعملية فتح معبر رفح عن حالة الدعاية والمظهرية الإعلامية والمسكِّنات إلى التعاطي،بشكل إيجابي وإنساني، مع الواقع الصعب والمرير الذي خلًفه الحصار الخانق الذي يعيشه1.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة. وخصوصاً مع الإعلان الرسمي للسلطات المصرية إلغاء ماتسمى "كشوفات التنسيقات المصرية"، حيث ترسل سلطات المعابر المصرية كشوفاتخاصة تحتوى على عشرات الأسماء، وأحيانا مئات، لفلسطينيين من غزة، يرغبون بالسفر عبرمعبر رفح البري، وتطلب بل وتفرض السلطات المصرية في معبر رفح تسهيل وصولهم وسفرهم علىالجانب الفلسطيني، وبصورة تثير الغضب والاستياء، إذ يُلزم الجانب الفلسطيني على تجاوزنظام الأولوية والأسبقية في السفر لديه، والذى يعتمد على معايير محددة، لتصبح لهذهالكشوف الأولوية في السفر. وفى حال رفض إدارة المعبر الفلسطيني ذلك، أو حتى تأخير هذهالكشوفات، يتم تعطيل العمل بصورة مباشرة إلى حين السماح لهذه الكشوف بالسفر. وهناكشبهات وإتهامات متعددة لمُعدي هذه الكشوفات المصرية من بعض الأجهزة المصرية بتلقي رشاوىمالية كبيرة، تبدأ بألفي دولار وتصل إلى أكثر من خمسة آلاف دولار للشخص الواحد، نظيرإدراج اسمه في هذه الكشوفات.

وكالعادة، يُفتح معبر رفح، والنتيجة كانتصفراً كبيراً، حيث أنه، وخلال يومي فتحه، تم السماح بالسفر لحوالي 750 شخصاً فقط منإجمالي عدد المسجلين للسفر، وبالتحديد تمكن من السفر ما نسبته 2% فقط من الحالات الإنسانيةالمسجلة في قائمة المسافرين.

وكانت المفاجأة في كشف أكذوبة إلغاء كشفالتنسيقات، حيث شهد اليوم الاول لفتح المعبر طلباً (أو أمراً) من إدارة المعبر المصريبالسماح، أولاً، بسفر 120 شخصاً يحملون الجنسية المصرية. أما اليوم الثاني فقد تم إرسالكشوفات أسماء للتنسيق المصري، بلغ عددها 180 مسافراً، وحينما تردّدت إدارة المعبر الفلسطينيفي إرسالها، تم إغلاق المعبر إلى حين الاستجابة لهم، وبعدها، تم إغلاق المعبر وعدمالسماح بسفر أحد.

وأمام هذا الوضع المأساوي الخطير، وأمامحالة التردّي الهائل للحالة الإنسانية في قطاع غزة،

"مئات المرضى ينتظرون الموت ولم تعدالأدوية والمستلزمات الطبية تدخل عبر المعبر" لم يعد مقبولاً إنسانياً وقانونياًوتاريخياً، بل وعروبياً، الاستمرار في تعزيز هذا الحصار الغاشم والاستمرار في إغلاقمعبر رفح الذي يعتبره الغزيون شريان الحياة الوحيد لهم، في ظل وجود إغلاق وسيطرة لقواتالاحتلال الإسرائيلي على معابر قطاع غزة، وأجوائه وبحره. وبالتالي، وقوع منطقة القطاعضمن تعريف الاقليم المحتل، وإنْ بصورة غير مباشرة، حسب توصيف الأمم المتحدة ومنظمةالصليب الاحمر الدولي. وكان الأجدر على السلطات المصرية أن تأخذ بالاعتبار علاقات القرابةوالنسب والامتداد الجغرافي والبشري بين غزة ومصر، وأن تساعد في رفع الحصار والظلم عنالغزّيين، خصوصاً في ظل انعكاس آثار الحصار والإغلاق بصورة كارثية على حياة الغزيين،من كل جوانبها، وخصوصا مع دخول الحصار عامه العاشر. إذ لم يعد بإمكان أكثر من خمسةآلاف مريض من الخروج للعلاج في الخارج، أو استكمال رحلته العلاجية في المشافي المصرية،أو في أي من الدول العربية. وبالتالي، بات مئات المرضى ينتظرون الموت في أي لحظة، كمالم تعد الأدوية والمستلزمات الطبية تدخل عبر معبر رفح، في ظل النقص الحاد في الأدويةوالمستلزمات الطبية في مستشفيات قطاع غزة التي باتت على موعدٍ قريبٍ من كارثة في هذاالمجال.

ثلاثة آلاف من طلبة البكالوريوس والماجستيروالدكتوراه ممنوعون ومحرومون من السفر وتلقي العلوم، ولم يعد في مقدورهم استكمال الدراسةفي الجامعات العربية والأجنبية، بجانب مئات الطلبة الذين فقدوا المنح الدراسية، والتىتحصلوا عليها بشق الأنفس للدراسة في دول عديدة، للعام الثالث على التوالي. وثمانيةآلاف ممن لديهم إقامات خارج قطاع غزة، وتحديداً في دول الخليج العربي، تقطعت بهم السبل،وفقدوا سبل العودة إلى بيوتهم وأعمالهم، وبالتالي، سينضمون إلى قافلة البطالة والفقرالتي تتسع يوماً بعد يوم. عدا عن حوالي ألف وخمسمائة زوجة غزية عالقة في قطاع غزة،ولا تستطيع الالتحاق ببيتها وأولادها وزوجها الذي يعمل ويقيم خارج الأراضي الفلسطينية.

أمام هذه الصورة القاتمة، يبقى أن نتمنىعلى السلطات المصرية النظر لهذه الحالات الإنسانية بعين المسؤولية الإنسانية والقومية،والعمل على فتح المعبر أسوة بالمعابر البرية المصرية الدولية، من أجل كسر هذا الحصار،ومساعدة الغزيين في الخروج من نفق الحصار وعذاباته. ومطلوب من جامعة الدول العربيةتنفيذ القرار العربي الصادر عن مجلسها الوزاري بكسر حصار غزة، واعتبار الحصار جريمةإنسانية، سوف يعاقب عليها القانون، آجلاً أم عاجلاً.

تعرف على أ.علاء الدين البطة








2
1
1


تعليقات الفيسبوك